أوروبا تتحدى نفوذ الصين في أفريقيا من خلال مبادرة البوابة العالمية

في الاول من ديسمبر/كانون الاول 2021 اطلقت مبادرة "البوابة العالمية" بخطة طموحة لتعبئة 300 مليار يورو (نحو 350 مليار دولار) من الاستثمارات بين عامي 2021 و2027. وخُصص لاحقا نصف هذه الميزانية للقارة الافريقية فيما يُعرف رسميا بـ"حزمة الاستثمار بين افريقيا واوروبا". ما يشير بوضوح الى مركزية القارة السمراء داخل هذه المبادرة.
ويبدو حضور التنافس الجيوسياسي واضحا في خلفيات اطلاق المبادرة. مع تصاعد ادراك الاتحاد الاوروبي بأنه اصبح "دافعا وليس لاعبا" على الساحة العالمية. وفقًا لتعبير كبيرة الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في بنك الاستثمار الفرنسي ناتيكسيس أليسيا غارسيا هيريرو. التي ترى "البوابة العالمية" استجابة اوروبية للديناميكيات المتغيرة في الاستثمار بالبنية التحتية العالمية. خصوصا مبادرة الحزام والطريق الصينية.
وكانت المفوضية الاوروبية صريحة في القاء قفاز التحدي على بكين؛ ففي بيان الكشف عن المبادرة في ديسمبر/كانون الاول 2021 وصفت رئيسة المفوضية الاوروبية اورسولا فون دير لاين المبادرة بأنها "عرض ايجابي" لتطوير البنية التحتية في العالم. و"بديل حقيقي وأفضل". في اشارة مباشرة الى مبادرة الحزام والطريق التي اطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013.
تنافس جيوسياسي محتدم.
وتشير الزميلة الزائرة في برنامج افريقيا بالمجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية سارة لوغان الى احد جوانب الاشكالية في علاقة اوروبا بالصين. اذ يستمر اعتماد الاقتصادات الاوروبية على بكين في توفير المواد الخام الاساسية لانتاج تقنيات الطاقة الخضراء -من وحدات الطاقة الشمسية الى بطاريات السيارات الكهربائية- وهو ما ينذر بترك اوروبا رهينة للصين في سلع استراتيجية تعتبرها لوغان "تحديا بالغ الاهمية".
ولمواجهة هذا الوضع اتجهت اوروبا الى حزمة من الاجراءات. من ضمنها توسيع شراكات "البوابة العالمية" مع الدول الافريقية الغنية بالمعادن الحيوية لكسر الهيمنة الصينية.
وكان احدث هذه الخطوات توقيع المفوضية الاوروبية وجنوب افريقيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2025 شراكة وُصفت بـ"التاريخية" تضمنت اتفاقية تعاون في سلاسل قيمة المعادن والمواد الخام ضمن اطار المبادرة.
مكافحة الهجرة غير النظامية وفتح الاسواق.
ويمثل كبح موجات الهجرة غير النظامية من افريقيا الى اوروبا احد الهواجس المركزية لصناع القرار الاوروبيين. ويوضح تقرير مقدم الى البرلمان الاوروبي في نوفمبر/تشرين الثاني 2025 ان الاسباب "الجذرية" لهذه الهجرة ترتبط بالتحديات الاقتصادية المستمرة. وتفاقم القضايا البيئية. وضعف الانظمة او استبدادها. اضافة الى المخاوف الامنية والصراعات التي تهدد سبل العيش وتدفع كثيرين الى الهجرة داخل القارة وخارجها.
ويؤكد التقرير ان الشراكات الدولية والمساعدات المالية الاوروبية تستهدف معالجة هذه الاسباب بدعم الحوكمة الشاملة وتوفير فرص اقتصادية افضل. خصوصا لفئة الشباب. بحيث تسهم استراتيجية "غلوبال غيت واي" في توسيع فرص العمل وتقليص دوافع الهجرة نحو اوروبا.
ولا يقتصر اثر خلق فرص العمل وتنشيط القطاعات الاقتصادية على افريقيا وحدها؛ فوفق الموقع الرسمي للمبادرة. اسهمت "البوابة العالمية" في خلق فرص للقطاع الخاص الاوروبي للاستثمار والحفاظ على قدرته التنافسية.
اولويات البوابة العالمية في افريقيا.
وتشير ورقة صادرة من الاتحاد الاوروبي في سبتمبر/ايلول 2023 الى استفادة الشركات الاوروبية من المبادرة بتعزيز الاتصال بين اوروبا وافريقيا بممرات استراتيجية للنقل المستدام والامن.
كما تشير الى ان دعم سلاسل القيمة والخدمات وخلق فرص العمل يعود بالنفع على الصناعات في افريقيا واوروبا معًا. ويتيح تحسين البنية التحتية والتجارة والحركة بين القارتين فتح الاسواق الافريقية للشركات الاوروبية وتعزيز التعاون الاقتصادي بين الجانبين.
وفق الموقع الرسمي للمفوضية الاوروبية. تحدد المبادرة خمسة قطاعات رئيسية للاستثمار تعكس تقاطع المصالح الاوروبية والافريقية:
- التحول المناخي والطاقة
تركز المبادرة على الاستثمار في الطاقة المتجددة وتنويع مصادر الطاقة والانتقال الى اقتصاد منخفض الكربون وتقليل الاعتماد على الوقود الاحفوري. ويشمل ذلك تحسين سبل عيش 65 مليون مواطن بطاقة انظف واكثر استقرارا. وتوسيع شبكات الكهرباء. ودعم التنمية الصناعية والزراعية والبنى الاساسية.
نجاحات وانجازات.
رغم حداثة المبادرة. انخرطت في مشاريع استراتيجية عديدة ابرزها "ممر لوبيتو". الذي يصفه مقال في "اتلانتيك كاونسل" بأنه اكبر جهد لواشنطن لمواجهة الوجود الصيني في افريقيا. بمشاركة شركاء. منهم الاتحاد الاوروبي.
ويربط هذا الممر -عبر خط سكة حديدية يتجاوز 1300 كيلومتر- ميناء لوبيتو الانغولي على الاطلسي بمناجم الكاتانغا الغنية بالمعادن في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وصولا الى حزام النحاس في زامبيا. بهدف انشاء طريق سريع وموثوق لتصدير المعادن الحرجة (المعادن النادرة) كالنحاس والكوبالت والمنغنيز والليثيوم. الضرورية للصناعات التكنولوجية والتحول الطاقي في الغرب. وبديلًا من الطرق الشرقية نحو المحيط الهندي التي تعاني اختناقات وتخضع لنفوذ الشركات الصينية.
وفي اطار التنافس الرقمي العالمي. تعمل اوروبا على ربط ضفتي المتوسط بشبكة الياف ضوئية عالية السعة لكسر الهيمنة المحتملة للشركات الصينية على البنية الرقمية. وبدعم من "البوابة العالمية". يُنفذ الاتحاد الاوروبي اطول كابل بحري في المتوسط "كابل ميدوسا" بطول 8700 كيلومتر يربط 13 دولة في شمال البحر وجنوبه.
نقاط ضعف وانتقادات.
رغم الزخم الاعلامي. تشير تحليلات مستقلة وتقارير المجتمع المدني الى ان مبلغ 150 مليار يورو (نحو 174 مليون دولار) المعلن عنه لا يعد تمويلا جديدا بالكامل. بل اعادة تجميع لمخصصات كانت موجودة سابقًا في ميزانيات التنمية الاوروبية. ما خلق ازمة مصداقية.
ووجد الشركاء الافارقة. الذين توقعوا تدفقات مالية اضافية. انفسهم امام "نبيذ عتيق في زجاجات جديدة". وفق توصيف استاذ الاقتصاد في جامعة العلوم التطبيقية بألمانيا رالف فروبل.
وتشير صحيفة "ذا ستاندارد" الكينية الى ان بروكسل تتصور تمويل المشاريع عبر مزيج من اموال الاتحاد الاوروبي وميزانيات التنمية الوطنية والاستثمارات الخاصة. الا ان اهتمام القطاع الخاص الاوروبي ظل محدودا. ورغم جاذبية قائمة المشاريع المقترحة فإن اوروبا لا تزال بعيدة عن تنفيذها.














