+
أأ
-

تأثير قرار أفغانستان على التجارة مع باكستان

{title}

في علاقة اتسمت بالتوتر المزمن وعلامات عدم الثقة التي تراكمت عبر السنين بين باكستان وأفغانستان، قال مراقبون إن التصعيد السياسي المتكرر لم يكن بمنأى عن التصعيد الاقتصادي بين البلدين، حيث ترتبط علاقاتهما التجارية والاقتصادية بتقلبات السياسة. وأضافوا أن العلاقات بين البلدين شهدت الشهر الماضي انحداراً حاداً لم تشهد مثله منذ تولي حركة طالبان للسلطة في أفغانستان، حيث وقعت اشتباكات على الحدود أدت إلى مقتل العشرات من الطرفين، حتى تم التوصل إلى وقف القتال بوساطة قطرية تركية.

وأوضح مراقبون أن جهود الوساطة لم تُفلح في تقريب وجهات النظر، حيث فشلت جولات المحادثات في التوصل إلى اتفاق دائم بين الطرفين، مما فتح الباب أمام استمرار التوترات والتصعيد على كافة الأصعدة. بعد الوصول إلى طريق مسدود في الجولة الثالثة من محادثات إسطنبول، أعلنت كابل تحوّلاً جذرياً في سياساتها التجارية، داعية التجار إلى الاستغناء عن باكستان والانتقال إلى طرق بديلة للاستيراد والتصدير.

تحول جذري للتجارة الأفغانية

مع كل جولة للتصعيد العسكري والسياسي بين البلدين، تكون المعابر أكثر عرضة للإغلاق أمام حركة التجارة ومرور الشاحنات، مما يجعل تجارة الترانزيت الأفغانية عرضة للخسارة. وبعد فشل الجولة الثالثة من المحادثات في 7 نوفمبر، أعلنت أفغانستان في 12 من الشهر نفسه على لسان نائب رئيس الوزراء الأفغاني للشؤون الاقتصادية الملا عبد الغني برادر أنها ستبحث عن طريق تجارية بديلة عن باكستان، كما أعلنت أن الحكومة الأفغانية لن تتعاون مع أي تجار أفغان يستمرون في التعامل التجاري مع باكستان.

كما انتقد الملا برادر تردي جودة الأدوية المستوردة من باكستان، معلناً أن أمام مستوردي الأدوية مهلة 3 أشهر لإغلاق حساباتهم وإنهاء تعاملاتهم التجارية هناك. وأكد أنه على باكستان تقديم ضمانات قاطعة بعدم إغلاق هذه الطرق مرة أخرى إذا رغبت في إعادة فتح طرق التجارة مع أفغانستان.

تبادلات تجارية متقلبة

في نهاية أكتوبر، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية، السفير طاهر حسين أندرابي، أن جميع المعابر بين باكستان وأفغانستان مغلقة أمام حركة التجارة، وأنها ستظل مغلقة حتى إشعار آخر. كما أكد أن مسألة إعادة فتح المعابر تتعلق باعتبارات أمنية. وفي رد على الإعلان الأفغاني، أشار أندرابي إلى أن تجارة الترانزيت الأفغانية لن تعمل مجدداً حتى تتخذ الحكومة الأفغانية إجراءات ضد الجماعات الإرهابية التي تهاجم باكستان منطلقة من أفغانستان.

وفي خضم هذه الأزمة، زار وزير التجارة والصناعة الأفغاني نور الدين عزيزي إيران في 14 نوفمبر، حيث ركز على استخدام ميناء تشابهار كأحد الطرق المهمة للتجارة الأفغانية. وبعدها توجه عزيزي إلى الهند، حيث اجتمع بكبار المسؤولين الهنود، حيث ناقش الجانبان تفعيل ميناء تشابهار وإقامة روابط تجارية بين البلدين.

اضطرابات للتجار والمصانع

وفقا لبيانات وزارة الخارجية الباكستانية، تُعتبر باكستان أكبر شريك تجاري لأفغانستان، حيث تُعتبر باكستان وجهة تصدير وثالث أكبر شريك استيراد لأفغانستان. وأفاد مجلس الأعمال الباكستاني أن باكستان تصدر في المقام الأول المنتجات الغذائية والأدوية إلى أفغانستان، بينما تصدر أفغانستان الفواكه والخضروات إلى باكستان. كما تشير دراسة للمجلس إلى أن صادرات باكستان إلى أفغانستان شهدت اتجاهاً تصاعدياً بمعدل نمو سنوي مركب بلغ 7.55% خلال الفترة من 2020 إلى 2024.

وفي عام 2020، صدرت باكستان بضائع بقيمة 852.31 مليون دولار، ووصلت إلى 1.14 مليار دولار في عام 2024، لتسجل أعلى قيمة للصادرات. ومن ناحية أخرى، شهدت واردات باكستان من أفغانستان تقلبات أكبر، حيث ارتفعت من 468.34 مليون دولار في عام 2020 إلى 880.07 مليون دولار في عام 2023 قبل أن تشهد انخفاضاً حاداً إلى 566.44 مليون دولار. ورغم هذا التقلب، شهد اتجاه الواردات نمواً معتدلاً بمعدل نمو سنوي مركب بلغ 4.87%.

اجراءات ممكنة لباكستان

في هذا السياق، قال الخبير في العلاقات الباكستانية الأفغانية، ومدير مركز دراسات منتدى الشباب الباكستاني الآسيوي سلمان جاويد، إن ما تصدره باكستان لأفغانستان يمثل حوالي 20% من صادراتها الإقليمية، إلا أن هذه النسبة لا تمثل سوى 3-5% من إجمالي سلة صادرات باكستان. ورأى جاويد أن الاقتصاد الباكستاني يمكنه استيعاب هذا الاضطراب، حيث تقع الضغوط الرئيسية على المناطق الحدودية وليس على الوضع الاقتصادي الكلي للدولة.

من جهته، قال الخبير شهاب يوسفزي إن باكستان تواجه صدمة تصديرية فورية تزيد على 900 مليون دولار، مع توقف 20% من صادراتها. ورأى أن هناك احتمالية لتجميد التدفقات النقدية، مما قد يؤدي إلى تراجع الإنتاج الصناعي. واعتبر أن القطاعات الأكثر تأثراً ستكون في تصنيع الأغذية والأدوية، مع تهديد نحو 14 ألف وظيفة في القطاع الرسمي.

ورأى جاويد أنه يمكن لباكستان اتخاذ إجراءات للحد من آثار الأزمة، مثل إعادة توجيه حوافز التصدير، والدعم المؤقت للشركات الصغيرة والمتوسطة، وتسريع تنويع أسواقها. وأشار إلى أن الدبلوماسية يمكن أن تلعب دوراً في إعادة بناء التدفقات التجارية دون تقديم تنازلات سياسية.